التقارب الروسي الأميركي يفتح كوة في الجدار السوري
بعد فترة استعصاء ومراوحة طويلة على الصعيد الدبلوماسي، بدا أن الأزمة السورية المعقدة على أبواب مرحلة جديدة، قد لا تكون إيجابية بالضرورة، لكنها على أية حال حافلة بالاحتمالات الواعدة، في ظل توافق إقليمي ولو في حدوده الدنيا، وفي ظل قناعة ترسخت خلال الحقبة السورية الدامية التي استمرت ستة سنوات باستحالة الحسم العسكري، ومثل مؤتمر أستانة في هذا الصدد علامة على التحول الجاري في مسار الأزمة السورية، حيث ابرز هذا المؤتمر حالة التوافق الروسي التركي حيال سورية، كممثلين عن طرفي النزاع، وكان لافتا هنا استبعاد ايران من ترتيبات الحل، وهي الدولة التي كانت العصب الرئيسي لاستمرار الازمة واتجاهها لمنحى طائفي ودموي بإسناد النظام السوري في سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها في التعامل مع الثورة، كما وارسال الميليشيات الإرهابية لوأد ثورة الشعب السوري على نظامه الغاشم.
مؤتمر استانة شهد أيضا تحولا جديدا في طبيعة المشاركين حيث برز من جانب المعارضة ممثلو المجموعات المسلحة، على خلاف ما حدث في المؤتمرات السابقة التي شهدت تمثيل المعارضة السورية بجماعات سياسية، وهو اختراق يعتد به اذ يمثل تحولا مهما في مقاربة الازمة السورية عبر اشراك الفاعلين في الأرض، وما يترتب على ذلك من فرصة أكبر لإحداث تحول ميداني، وهو النتيجة الأهم لمؤتمر استانة، الذي كان تثبيت وقف إطلاق النار أبرز معطياته.
سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعوته لهذا المؤتمر لاستثمار تدخله في سورية الذي أعاد هندسة الوضع برمته، وغير من طبيعة التحالفات الجارية في الأرض السورية، فضلا عن استبدال الدور الإيراني بدور راجح لموسكو، ما يعينه ذلك من تبدل صيغة الحل المنشود الذي يختلف في العين الروسية عن تلك الإيرانية التي يحركها مشروعها الطائفي في المنطقة، ونزعاتها التوسعية، كما وسعى بوتين الى انتهاز الشلل الذي انتاب الدور الامريكي لا سيما في العام الانتخابي الساخن الذي شهدته الولايات المتحدة، نحو فرض رؤيته للحل في سورية ريثما يرتب الرئيس الامريكي المنتخب اوراقه في بداية ولايته وينخرط فعليا في الملف السوري.
بالطبع لا يعني هذا ان الحل السوري بات وشيكا، حيث تعترض طريقه عقبات كأداء ليس اقلها التنظيمات الارهابية التي حول النظامين السوري والايراني سورية الى مركز استقطاب عالمي لها، بهدف تمييع الثورة، واغراق الغرب بطوفان من اللاجئين للضغط على المجتمع الدولي لتمرير رؤية النظام الاحادية للحل، كما يعترض فرص الحل اصرار النظام السوري و-من أمامه- النظام الايراني على المعادلة الصفرية لتسوية الازمة، وهو الامر الذي لن يقبله الشعب السوري وسائر فصائل المعارضة سياسية كانت ام قوى مسلحة، بعد هذه التضحيات الكبرى والكلفة الباهظة التي دفعوها خلال ستة سنوات، فمن المتعذر ان يقبل السوريين العودة الى نقطة الصفر، بل انهم يدركون أن النظام سيكون اشد شراسة عن ذي قبل حال استتباب الحكم له.
هنا تبرز حالة التوافق والتقارب بين موسكو وواشنطن كمؤثر مهم في مقاربة الازمة، اذ قد يؤدي التفاهم بين الرئيسين الروسي والامريكي وحالة الغزل الجارية بينهما لاجتراح صيغة موضوعية للحل، برعاية اقليمية ودولية، يعزز من احتمالات تحقيق هذا الامر الموقف الواضح للرئيس الامريكي الجديد من ايران، ومناهضته لسلوكها العدائي والتوسعي في المنطقة، ويأتي ذلك بالتوازي مع ما حملته ترتيبات مؤتمر استانة من مؤشرات على وصول روسيا الى خلاصة مفادها سلبية الدور الايراني في الازمة.
من المتعذر الحديث عن طبيعة هذا الحل، في انتظار تشكل ملامح السياسة الامريكية الجديدة، ونضوج المواقف الاقليمية، وبالطبع مواقف طرفي النزاع الاساسيين، ورهان المؤثرين الدوليين على وصولهما الى مرحلة من الاجهاد، ربما تكون مدخلا لإنهاء هذه الازمة العتيدة.
from الأولـــى http://ift.tt/2kIiy7s
via IFTTT
تعليقات
إرسال تعليق