من يحمي المبلّغين والشهود في قضايا الفساد..؟
تُشكل مبادرة التبليغ في المجتمع عن قضايا الفساد والرشوة واستغلال المال العام ونحوها أهمية بالغة، تزداد أهميتها وحاجتها كلما كانت دفاعاً عن أمن الوطن ومقدراته وأفراده، باعتبارها واجباً وطنياً مجرداً وإنكاراً للمنكر وحصار أهله، كما أنها تُسهم في كشف الجريمة ومحاربة الفساد والتصدي له، ودعماً لأعمال ومهام الجهات الأمنية والرقابية المختلفة.
وعلى رغم ما تقوم به تلك الجهات من دور مهم لتعزيز ودعم مبادرة التبليغ، إلاّ أنها تنتظر تكثيف الجهود من خلال تفعيلها بشكل أكبر لدى أفراد المجتمع، وإيجاد نظام صارم يحمي المبلغ ويخلي مسؤوليته عند تقديم البلاغ، بالإضافة إلى تحديد واجبات الجهات التي تتلقى بلاغات المبلغين والشهود، وفرض العقوبات النظامية حال تقصيرها بالواجبات المناطة بها تجاههم.
إن ما يعيق عمل مبادرة التبليغ اليوم ويحد منها لدى بعض أفراد المجتمع، الخوف من آثار وتبعات البلاغ وما يطرأ عليه من ممارسات الترهيب والتخويف والإيذاء، ما يدعونا إلى أهمية توفير كافة الضمانات لحماية المبلغين والشهود من أية مخاطر أو تهديدات صريحة نتيجة إبلاغهم، بما يعود بالنفع لدعم وتعزيز المبادرة المجتمعية والتشجيع لها، وأن يدرك أفراد المجتمع أدوارهم المطلوبة منهم في عملية التبليغ عن أي جريمة.
تحقيق «الرياض» يناقش حماية المُبلغين والشهود من الإيذاء، ودور الجهات المعنية في أهمية تعزيز مبادرة التبليغ والتشجيع لها في المجتمع.
توعية الأفراد
في البداية أوضح د.عبدالعزيز الشبرمي -محامي ومستشار قانوني- أن جرائم الفساد المالي تعُد من الجرائم التي تخفى إجراءاتها ويعم ويظهر كبير سوؤها وشديد خطرها على المجتمع كافة، مؤكداً على أن من الطرق الناجحة في مكافحة هذه الجرائم توعية الأفراد الذين قد يكتشفوا هذه الجرائم في بداياتها أو أثناء الشروع فيها فيقوموا بمبادرة التبليغ عنها وكشفها قبل تمامها للسيطرة على خطورة آثارها وشناعة نتائجها من إعاقة التنمية وفساد المجتمع ونفوذ الفاسدين وبخس حقوق المظلومين، مضيفاً أن الأنظمة والتعليمات خير معين للمحتسبين على قضايا الفساد وكشف خطط الفاسدين، مبيناً أن نظام مكافحة الرشوة مثلاً يمنح مكافأة للمبلغ عن الرشوة للموظف العام تعدل نصف مبلغ الرشوة المبلغ عنها، وكذلك نظام الجمارك يمنح مكافأة تصل لنسبة كبيرة جداً من قيمة المخالفات الجمركية للبضائع المخالفة، ووزارة الشؤون الإسلامية وبعدها الهيئة العامة للأوقاف تمنح مكافأة للمبلغين عن الأوقاف المسروقة أو المندثرة تصل إلى نسبة خمسة بالمئة من ريع الوقف لسنة واحدة، مشيراً إلى أن الأنظمة والتعليمات تكافئ كل من يملك المبادرة للبلاغ عن قضايا وجرائم الفساد المالي كالرشوة والاعتداء على المال العام والتربح من الوظيفة العامة واستغلالها للصالح الشخصي.
ورأى د.الشبرمي أن التوعية الإعلامية بحقوق وواجبات المبلغين عن جرائم الفساد المالي ومعرفة حدود عملهم الأخلاقي وتسهيل آلية صرف حقوقهم ومكافآتهم من أهم الأسباب التي تقضي على الفساد المالي بجميع أحواله وأنواعه، وكذلك نشر الأنظمة والقوانين التي تنص على منح مكافأة المحتسبين على تلك الجرائم والمبلغين عنها سواء مخالفات الجمارك وحرس الحدود أو جرائم الرشوة والتربح من الوظيفة العامة أو التعدي على المال العام واستغلال النفوذ أو حرمان الأكفاء على حساب تقديم الأقارب، لافتاً إلى أن كل ذلك مما يجب نشره وتوعية العامة به، مضيفاً أنه يجب أيضاً حماية المبلغين عن قضايا الفساد بإيجاد آلية سرية جداً تتلقى البلاغات وتحفظ الحقوق وتعالج الجريمة.
حلقة وصل
من جهته أكد د. تركي الطيار -محامي- على أن التبليغ يمثل حلقة الوصل بين واقعة الجريمة وضبطها، مبيناً أن واقعة الجريمة في أوجه الفساد من رشوة وغيرها تبقى نائية عن عين الجهات الضبطية في كثير منها ما لم تنفذ الضمائر الحيّة بدوافعها النبيلة إلى كشف الجريمة ومناداة أصحاب السلطة بضبط الجريمة وقبض مقترفيها، مضيفاً أن هناك شاهدة تشهد صراحة بدور التبليغ الأساسي في الكشف عن الجريمة، ومدى تأثير التبليغ الإيجابي على المجتمع، وتحفز إلى تنامي ثقافة التبليغ لدى المجتمع، وستكون الشهادة على جرائم تشارك جرائم الفساد بمساسها للمجتمع، وهذه الشهادة هي وزارة التجارة والاستثمار، موضحاً أن مضمون شهادتها مختصرة والمنشورة عبر موقعه الرسمي 30 جمادى الآخرة من عام 1436هـ: «نعلن عن استقبال أكثر من مليون مكالمة تضمنت شكاوى وبلاغات عبر مركز البلاغات على الرقم (1900) خلال السنتين الماضيتين، ونؤكد حرصنا واهتمامنا بالنظر في جميع البلاغات الواردة والعمل على معالجتها واتخاذ الإجراءات اللازمة في زمن قياسي، وقدم معالي الوزير نيابة عنه ومنسوبي الوزارة شكره وتقديره لكافة المواطنين والمقيمين على تفانيهم وتفاعلهم الدائم، مثمناً جهودهم الكبيرة في التواصل مع الوزارة بما يخدم مصلحة الوطن».
ثلاثة محاور
وأوضح د.الطيار أن القوانين والأنظمة السعودية تدرك الأثر العظيم الذي يضعه المبلّغ للمجتمع عند تبليغه عن الجريمة، ويدل على ذلك مجموعة من المظاهر منها رصد مكافأة مالية للمبلّغ، مضيفاً أنه قد جاء في المادة السابعة عشرة من نظام مكافحة الرشوة ما نصه: «كل من أرشد إلى جريمة من الجرائم المنصوص عليها في النظـام وأدت معلوماته إلى ثبوت الجريمة ولم يكن راشـياً أو شـريكاً أو وسـيطاً، يمنح مكافـأة لا تقـل عـن خمـسة آلاف ريـال ولا تزيـد عـن نـصف قيمـة المال المصادر وتقدر المكافأة الجهة التـي تحكـم فـي الجريمـة، ويجـوز لوزارة الداخلية صرف مكافـأة أعلـى مـن المبلـغ الـذي يحـدد بمقتـضى هذه المادة وذلك بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء عليها»، مشيراً إلى أن الدور الذي تقوم به عموم الأنظمة السعودية عادة في موضوع التبليغ يدور حول ثلاثة محاور أساسية هي: حقوق المبلِّغ، وواجبات المبلِّغ، وتحديد الجهة التي تتلقى البلاغات، لافتاً إلى أن المادة السابعة عشرة من نظام مكافحة الرشوة تحدثت مثلاً: عن الحق المالي للمبلِّغ، وفي المادة الثالثة من نظام الحماية من الإيذاء تحدثت عن واجبات المبلِّغ، وفي المادة التاسعة من نظام مكافحة غسل الأموال تحدثت عن هوية الجهة التي تتلقى البلاغات، فالنظام هنا قام بدوره المنوط به على ضوء هذه المحاور الرئيسة، مبيناً أن تحديد الآلية التفصيلية التنفيذية للتبليغ يكون من واجب الجهات التنفيذية المنوط بها تلقي البلاغات، مشدداً أن عليها الكشف عن وسائل التواصل المتاحة والأرقام والعناوين ومتابعة البلاغات وإعلام المبلغ حين اتخاذ الإجراء النظامي التالي للبلاغ في حق المجرم.
نحتاج لإيجاد آلية سرية لتلقي بلاغات الفساد والتعامل معها
د. عبدالعزيز الشبرمي
د. تركي الطيار
المجتمع ينتظر نظاماً يحفظ حقوق المبلغين
أوضح د.عبدالعزيز الشبرمي -محامي ومستشار قانوني- أنه لايزال هناك الطموح الأكبر في قيام المؤسسات الرقابية بالقيام بأدائها حيال جرائم الفساد المالي، مبيناً أن الجرائم المسجلة لاتزال أقل بقليل من المطلوب، ولايزال ذوو الحقوق يعانون من وجود بعض الفاسدين في تأخير معاملاتهم، مما يعني استمرار وجود المشكلة، موضحاً أن الجهود الشخصية لاتزال ترصد استغلال بعض الموظفين للمال العام لصالح أنفسهم وأهليهم وإساءة استغلال الوظيفة والسلطة والانحراف بها عن الحياد وتحقيق المصلحة وتمكين الأكفاء، ذاكراً أن هذا يعكس دور الجهات الرقابية وعدم قيامها بحملة توعوية لمكافحة جرائم الفساد المالي وتشجيع المبلغين عن وقائع الفساد، إضافة إلى خوف المبلغين عن قضايا الفساد المالي من الملاحقة القانونية بسبب توثيق الجريمة من خلال التصوير أو اللجوء لوسائل التواصل الاجتماعي، مشدداً أن هذا الأمر يجب معه سن نظام صارم يحمي حقوق المبلغين عن قضايا الفساد من الملاحقة القانونية واعتبارهم شرفاء يدافعون الفساد ويذودون عن المال العام.
الإهمال والتشكيك في بلاغات الفساد «مُحبط»!
لفت د. تركي الطيار -محامي- النظر إلى تفاوت الجهات التنفيذية على أرض الواقع في حسن تعاملها مع المبلغين، موضحاً أنها ليست هي على درجة واحدة من الاهتمام والكفاءة في التعامل مع البلاغات، مؤكداً على أن جملة من المبلغين يرغب بمعرفة مجريات القضية حتى يحصل على مكافأته النظامية، فيواجه صعوبة في التعامل مع الجهات التي تتلقى البلاغات حين رغبته تزويده بالمعلومات اللازمة حول القضية، مما يصيب المبلغين بكثير من الإحباط، إضافةً إلى الشعور الذي يعتري المبلغ بإهمال الجهة أو التشكيك بها في تعاملها مع الجريمة المبلغ عنها، مشدداً على أنه يتعين وجود الحلول التي تُسهم في دعم وتعزيز تلك المبادرة، والمساهمة في إعطاء المبلغين كافة ضمانات الحماية والأمان والتي تتمثل في وجود نصوص نظامية عقابية على الجهات التي تتلقى البلاغات حين تقصيرها بالواجبات المنوط بها تجاه المبلغين، وكذلك وجود نصوص نظامية في اللوائح التنفيذية للأنظمة تبين الواجبات مفصلة الملقاة على عاتق الجهات التي تتلقى البلاغات تجاه المبلغين، إلى جانب إلزام الجهات التنفيذية بنوافذ إلكترونية لكل مبلغ يتابع من خلالها المبلغ الإجراءات التي تمر بها القضية المبلغ عنها، وإضافة اختصاص جديد إلى هيئة الرقابة والتحقيق يعنى بتقصير الجهات التنفيذية تجاه المبلغين.
from تحقيقات وتقارير http://ift.tt/2phPnfO
via IFTTT
تعليقات
إرسال تعليق