«الحالات الإنسانية» تتجه لفضاءات تويتر..!
استطاعت الكثير من الحسابات المعروفة بأسماء أصحابها الحقيقية أن تظفر بشهرة واسعة في مجال العمل الخيري التطوعي ومن خلال «توتير» الذي أصبح يسابق في إبراز حالة ما تحتاج للدعم المادي، أو ربما مريض يحتاج للعلاج في جهة ما، وعلى الرغم بأن ذلك ليس بمستغرب إلاّ أن اللافت أن تتجاوب الجهات الحكومية الرسمية والقطاع الخاص مع مثل هذه الحالات التي تدخل ضمن العمل الخيري حتى أصبح «توتير» حاضر بقوة في المجال الخيري، فهناك من أصحاب المال من يتفاعل ويقدم المبادرات المميزة لدعم تلك الحالات، فما الذي يحدث في عالم الفضاء الرحب؟، والذي من خلاله استطاع أن يبرز ويقدم فكرة الدعم بشكل مؤثر وسريع جداً، وهل يعني ذلك أن «توتير» خطف الكيكة من فم المؤسسات الخيرية الرسمية وأصبح الفاصل في سرعة الدعم والتأثير على الناس والأفراد المعنين بالدعم؟، وهل يعني تفوق «توتير» في نشر الحالات التي تحتاج إلى دعم خيري يكشف عن مدى تراجع المؤسسات الخيرية في أسلوبها والطرق التقليدية التي تعتمد عليها؟، أم أن تلك المؤسسات الرسمية بريئة مما يحدث والمسألة مسألة سرعة وانتشار أكثر وموضة تويترية؟.
يبدوا أن المختصين في المجال الخيري لديهم ذات الفكرة فيما يتعلق بتفوق «توتير» وقنوات التواصل الاجتماعي على المؤسسات الخيرية التقليدية إلاّ أنهم يرون أن على الجمعيات أن تتحرك وتقدم خطوة جادة إلى الأمام حتى لا تفد مكانتها، مطالبين بضرورة تغير الصورة النمطية في طرق عرض طلب الدعم، وأن يقدم رؤساء الجمعيات الخيرية أفكارهم بأسلوب أكثر رشاقة مما اعتادت عليه الجمعيات الخيرية في فترة سابقة حتى لا تفلس وتخرج من السبق مبكراً.
مبادرات خيرية
وترى فاطمة قيس –متطوعة في المجال الخيري– أن هناك الكثير من الحالات التي تجد نجاحاً كبيراً في الوصول إلى كافة شرائح المجتمع من خلال قنوات التواصل الاجتماعي خاصة «توتير»، وذلك ليس فقط على مستوى الدعم المادي بل حتى على مستوى المبادرات الإنسانية كتوفير عربة لبائع الشاي في الأماكن العامة، وكإيجاد متبرع للدم لمريض ما، وربما توفير بعض الأدوات الصحية لمن يحتاجها، ومطالبات بإيجاد سبل علاج متنوع لمعوق لم يحصل على فرصته، حتى أصبح هناك تنوع في مفهوم المبادرات الخيرية، مضيفةً أن «توتير» أخرجها من فكرة المساعدات المالية إلى المساعدات الانسانية، وهو المفهوم الأعم والذي بدأ أفراد المجتمع بالدخول فيه، مشيرة إلى وجود الكثير من المبادرات التي أشار إليها من قبل أشخاص نشطين في ذلك النوع من المبادرات الخيرية كالانطلاق في توزيع المياه على عمال النظافة، وتنظيف المساجد، والأماكن العامة، وتأثيث منزل لأرملة وغيرها الكثير.
منظومة جديدة
وأضح عادل الخوفي –المدير التنفيذي للجنة إصلاح ذات البين بالأحساء - أنه لكي تستطيع الجمعيات الخيرية أن تسابق في العمل التطوعي والخيري وأن تظفر بالمزيد من الفرص على غرار تجارب توتير وغيره، عليها أن تغير أساليبها في التواصل مع المحسنين وأصحاب المال والجهات التي تدعم العمل الخيري، فالجانب التقليدي القديم انتهى في زمننا الحاضر ولم يعد يستطيع أحد أن يتواصل مع المجتمع بصورة إيجابية والتقدم في طرق التواصل مع الداعمين إلاّ إذا تمكن من عرض فكرته من خلال قنوات التواصل الاجتماعي، فاليوم لاشك أن توتير مؤثر بشكل كبير والكثير من القرارات والنظم كانت بدايتها من خلاله، إمّا عن طريق شخص ما يلحظ خطأ ما فيكتب فتصل للمسؤولين فتتأثر وتغير من قراراتها، مبيناً أن العمل التطوعي تخطى قضية وجود مكتب في الجمعية يأتي إليه المحسنين، فربما في السابق حينما كان أعداد الناس محدودة والتواصل فيما بينهم محدود والجمعيات أيضا محدودة وكان هذا مجدي، أمّا اليوم فالجمعيات الخيرية أصبحت كثيرة وفي كل تخصص فلا يكفي أن تبقى الجمعيات على وضعها السابق، فمن المهم أن تكون منظومة عمل جديدة بالاعتماد على هذه السبل التقنية الجديدة تصل لأفراد المجتمع بالصوت والصورة والأرقام، فالقضية لم تعد تتعلق باسم جمعية خيرية ما، بل في المعلومة التي تصل إلى الناس بصورة واخراج متميز ومؤثر حتى نصل بسهولة إلى أرباب المال.
تجديد الأسلوب
وأكد الخوفي على أن وجود الكثير من الحسابات عبر توتير التي تدعوا إلى العمل التطوعي أو التبرع لها سلبيات أكبر من الإيجابيات، فعملهم مؤثر وهم حقاً يصلون ولكن الاشكالية إلى أي مدى هذه الجهة أو هذا الفرد مأمون أو غير مأمون؟، فتوتير قد يوفر الدعم ولكن التأكد من هذه الحالة تحتاج إلى جهة رسمية، كذلك يقوم بتوصيل المعلومة ولكن صاحب المال من الممكن أن يتواصل مع الجهات الرسمية حتى يتوثق من المعلومة ومدى مصداقيتها، كما يجب النظر إلى بعض تعاطي الجمعيات فهناك من الجمعيات من لديها مال ولكنها لا تقدم الكثير في حين يوجد جمعيات خيرية ليس لديها المال الكثير ولكنها تقدم الكثير، فالمهم التأكد من أن المال الذي سيصل إلى الجمعية ستنفقه الجمعية على ميدان العمل، مطالباً بضرورة أن تتجه المؤسسات الخيرية إلى التجديد في أسلوبها والتطوير في امكانياتها الدعائية وبأن لا تقف تنتظر المحسن يأتي إليها فإذا لم تبادر بتلك الخطوات فمن المتوقع بعد عشر سنوات أن يهدد قنوات التواصل الاجتماعي الخيري وجودها ومدى تأثيرها لأن قنوات التواصل متعددة وبدأت تعنى بهذا الجانب، كما بدأت بالاتجاه إلى وسائل الاعلام لسرعة التأثير فإذا لم تلح الجمعيات الخيرية بهذا الميدان فمن المتوقع أن تفلس وتتوقف يوماً، مشيرا الى أنه من الضروري أن تتغير عقلية القائمين على الجمعيات الخيرية من رؤساء فيجب أن يطوروا من نظرتهم للعمل الخيري وأن يعتمدوا أساليب متعددة في طلب الدعم المادي من أصحاب المال خاصةً أن أفراد الناس لا يتبرعون إلاّ حينما يتأثرون وتصل إليهم الفكرة وربما يحدث ذلك من دعاية موجودة خارج الجمعية أعدت بطريقة ذكية.
أكبر شريحة
وقال عبدالله الشمري -خبير في العمل التطوعي الخيري-: إن السبب خلف توفق توتير وبعض قنوات التواصل الاجتماعي في الوصول بالعمل الخيري إلى دعم أكبر يعود إلى قدرته للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس في فترة قصيرة، بخلاف الجمعيات الخرية والمؤسسات الداعمة للعمل التطوعي فأن الوصول من خلالهم إلى أصحاب المال يوجد به الكثير من الصعوبة، فالمتطوع يبذل الكثير من الجهد رغبة للوصول للمتبرع وقد لا يصل على الرغم من أنه لا يحتاج إلاّ إلى خمسة آلاف ريال أو عشرة آلاف ريال حتى يغطي مشروعه بأكمله، فنجد أن هناك الكثير من التنسيق ولكن الخطأ أيضاً يحدث برغم ذلك التخطيط، بخلاف العمل التطوعي عن طريق توتير فميدان الوصول إلى أصحاب المال سريع وهم في بيوتهم فيحدث التفاعل الكبير مع تغريداتهم تلك الخيرية، فتفاعل الناس عالي جدا عبر قنوات التواصل الاجتماعي فهي تصل إلى الكثير من الشرائح أي كان مكانها وهناك شرائح غير معروف عنها فتبادر بالتبرع، بل أن الجميع يبادر في الحملة تلك حتى على مستوى الطلاب، فالمشاركة لا حدود لها، بخلاف ما يحدث في المؤسسات الخيرية، مبيناً أن أصحاب المبادرات الخيرية عبر توتير أصبحوا يفتتون المبالغ التي تدفع للتبرع فينادون على جمع التبرعات والتي تبدأ بمبالغ بسيطة جدا كـ(100) ريال أو أكثر حتى يصلوا لأكبر عدد ممكن، حتى تحولت قنوات التواصل الاجتماعي إلى الميدان الصحيح والأكثر نفعاً للعمل التطوعي.
عمل مؤسسي ومنظم
وأشار الشمري إلى أنه على الرغم من السباق الكبير الذي يسابق فيه توتير للعمل التطوعي إلاّ أن المؤسسات الخيرية الرسمية تبقى الأساس؛ لأن ما يظهر عبره من عمل خيري لابد أن تتبناه الجمعية أو انطلاقته تكون من خلال تلك المؤسسات الرسمية، فالمشكلة تكمن في مبدأ من يصل يحصل على ما يريد وتلك هي المشكلة، مبيناً أنه من المستبعد أن تفلس الجمعيات الخيرية أمام سباق توتير للعمل الخيري التطوعي، بل ستبقى موجودة وذلك لأن الناس في نهاية المطاف يبحثون عن العمل المؤسسي المنظم، فتبقى هذه المبادرات الخيرية عبر قنوات التواصل الاجتماعي مبادرات فردية ولا يمكن أن يعتمد عليها رسمياً، فمؤسسات الدولة تدعم الخدمة الاجتماعية كسابك وأرامكو وغيرها من الشركات، وكبار التجار فهم يدعمون مئات الآلاف بل أنهم الداعم الرئيسي للعمل التطوعي، فلا يدعمون الأفراد بل يدعمون المؤسسة الخيرية صاحبة السجل التجاري، وهي حقيقة على أرض الواقع فليس من المتوقع أن تنتهي، لافتاً إلى أن المشكلة تكمن في عزوف أصحاب المال بعد الأزمة الاقتصادية فمن كان يتصدق بخمسة مليون أصبح يتصدق بمليون من منطلق التقشف حتى تأثرت المؤسسات الخيرية بذلك التقشف.
تعليقات
إرسال تعليق