لا تتعاملوا مع مخالفي الأنظمة..!


انتهت قبل فترة «حملة وطن بلا مخالف»، التي جاءت في إطار حرص واهتمام الدولة -أيدها الله- بتسوية أوضاع مخالفي نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود ومساعدة من يرغب في إنهاء مخالفته وإعفائه مما يترتب عليه من عقوبات.

ورغم هذه الفرصة الثمينة التي منحتها حكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- للمخالفين لتسوية أوضاعهم خلال (90) يومياً، اعتباراً من يوم الأربعاء الأول من رجب 1438هـ، الموافق 29 مارس 2017م، وتوجيه الجهات المعنية بتسهيل إجراءات من يبادر بالمغادرة، وإعفاء المبادرين بتسليم أنفسهم من مخالفي نظام الإقامة والعمل من الآثار المترتبة على بصمة «مرحل»، والإعفاء من الرسوم والغرامات المترتبة على المخالفين المغادرين من تلقاء أنفسهم، ويستفيد من الأمر المتأخرين عن المغادرة ممن قدموا للحج أو العمرة أو الزيارة بجميع أنواعها، حيث ستكون مغادرتهم عن طريق المنافذ مباشرة، كما يستفيد من الأمر كل من المخالفين الذين لديهم «رقم حدود أو بلاغ هروب أو رقم إقامة أو تأشيرة عمل أو متسلل».

كانت هذه المهلة بالنسبة للمخالفين بمثابة طوق النجاة لأي مخالف على أراضي المملكة، وهي الفرصة التي قد لا تتكرر، وذلك للاستفادة من مميزات هذه المهلة، ومنها الإعفاء وتفادي الغرامات الكبيرة التي لحقت بالبعض، وربما تلحق بالبقية بعد انقضاء المهلة، إلا أن الكثير من المخالفين لم يستفيدوا من هذه الفرصة، واستمروا في مخالفتهم متجاهلين دعوات الجهات الأمنية والحملات التوعوية التي كانت تطالبهم بالاستفادة من هذه الفرصة الثمينة.

«الرياض» في الجزء الأول من هذا التحقيق تتناول الفرص الممنوحة لمخالفي نظام الإقامة والعمل بالمملكة، ومراحل تطور الحملات التصحيحية للمخالفين، وأبرز النتائج التي أثمرت عنها. ومن ثم تكشف السر عن رفض شريحة كبيرة من المخالفين الاستفادة من تلك الفرص الممنوحة لهم على لسان عدد من الموقوفين بسجن إدارة الوافدين بالرياض من المطلوبين أمنياً في قضايا تغيب وهروب عن الكفلاء وبعض المخالفين لأنظمة العمل لنتعرف على سبب رفض المخالفين للاستفادة من تلك الفرص الممنوحة لهم طوال السنوات الماضية.

بعد أن تناولنا في الجزء الأول من هذا التحقيق مراحل الحملات التصحيحية ونتائجها خلال السنوات الماضية، والتقينا بعدد من المقبوض عليهم من مخالفي نظام الإقامة والعمل، الذين تحدثوا لــ»الرياض» عن سبب تفويتهم للفرص الممنوحة لهم، نكشف في هذا الجزء من تحقيقنا في هذه القضية أسباب رفض الفئة المستهدفة من الحملة للفرصة الذهبية التي منحت لهم، إضافة إلى الآثار الأمنية والاجتماعيه المترتبة على مخالفي نظام الإقامة والعمل وسبل معالجة هذه الظاهرة والحد من تناميها.

طيبة المواطن

ذكر عدد من المخالفين ممن التقيناهم بتوقيف الوافدين بالرياض ممن تم القبض عليهم بعد انتهاء الحملة التصحيحية أن من أسباب عدم تسليمهم أنفسهم والاستفادة من الحملة التصحيحية طيبة المواطن السعودي المفرطة مع القادمين للمملكة من مختلف الجنسيات والتعامل معهم بإنسانية وعدم تفريقهم بين المقيم النظامي والمقيم المخالف، مؤكدين أن المواطن السعودي يتعاطف مع المقيم المخالف أكثر بحكم أنه يراه شخصاً «مسكيناً» ويحتاج للمساعدة والصدقة ويدفع له مبالغ مالية تزيد عن ما يقوم به من أعمال، ويساعده في التنقل المجاني وربما السكن والعلاج وغيرها من المساعدات التي تشجع المخالف على البقاء.!

وأضافوا أن تطبيق الأنظمة يضفي على المقيم المخالف شعوراً بالأمان والتنقل من مكان لمكان دون تعرضه لمخاطر باعتبار المملكة بلد السلام والاستقرار، إلى جانب فتح الجهات الحكومية أبوابها للجميع من مقيمين ومواطنين ومساعدتهم في تخطي ظروفهم والتجاوز عن المخالفات التي قد يرتكبها المخالف والتعامل معها بإنسانية.

مجتمعكم يتعاطف أكثر مع «المخالف» على اعتبار حاجته للمساعدة.. ومجانية الترحيل بلا عقاب مُغرية..!

في حين أشار البعض منهم إلى كثرة الفرص الممنوحة للمخالفين من الجهات الخدمية بالمملكة ومنها كثرة فتح الفرص بتصحيح أوضاع المخالفين بين فترة وأخرى واعفائهم من جميع المخالفات السابقة مجرد تسليمهم أنفسهم متى ما رغبوا بذلك، والترحيل المجاني للمخالف بعد تسليمه لنفسه حتى وإن تجاوزت مخالفته بالمملكة لسنوات، وكذلك توفير الخدمات الصحية وصرف مكافآت للموقوفين وإتاحة فرصة العمل لهم حتى انقضاء محكومياتهم.

ومساعدة كثير من الشركات والمؤسسات وخاصة المؤسسات العاملة بتأجير سيارات الأجرة «اللموزين» بالتستر على المخالفين وتوفير العمل لهم على سيارات بأجور يومية وبأحدث الموديلات.

وذكر بعض المخالفين أن سهولة العمل على الأرصفة في البيع والشراء دون رقيب والعمل في بيع الخضار والفواكه أو تصنيع الأطعمة على الأرصفة وفي المواقع العامة دون مساءلة من البلديات أو الجهات الرقابية الأخرى من الأسباب أيضاً، إلى جانب تعاطف كثير من المقيمين النظاميين في التعاطف مع المخالفين بالشراء منهم أو تسهيل العمل لهم، ومساهمة بعض المواطنين في التستر على المخالفين وتوفير العمل لهم بإقامة مشروعات صغيرة لهم بأسماء وهمية، ومن الأسباب كذلك سهولة الحصول على الوثائق المزورة التي تساعدهم على العمل والعلاج والتنقل وحتى العمل بالحراسات الأمنية على أنهم سعوديون خاصة من بعض الجاليات العربية، إضافة إلى نقص النقاط التفتيشية على بعض مداخل ومخارج المدن، وعدم تخوف المخالفين من بلاغات الهروب المقدمة ضدهم من كفلائهم إذ أن العقوبة غير مغلظة والنهاية الترحيل المجاني والعودة مرة أخرى، وسهولة تحويل الأموال الحاصل عليها المخالف لبلده في الخارج عن طريق بعض المقيمين النظاميين، ومن ذلك إغراءات الربح السريع بإقامة بعض الأعمال غير المشروعة مثل مصانع الخمور أو التزوير أو غيرها، وتشكيل عصابات إجرامية مثل عصابات السرقات والترويج والسطو على محال الصرافة وسيارات نقل الأموال وغيرها.

ماذا نتج عن هذه المعتقدات لدى المخالفين؟

جميع المعتقدات المترسخة عند المخالفين عن طيبة المواطن والخروج بأقل ضرر عند القبض عليه وهو الترحيل المجاني وتحقيق الحلم بالثراء السريع بلا شك كان لها دوراً كبيراً في بعض الآثار على أمن الوطن ونستعرض بعض الآثار التي أكدتها بعض الدراسات الاجتماعية والسجلات الأمنية لمشكلة تنامي مخالفي نظام الإقامة والعمل ومنها:

•أن انتشار العمالة المخالفة لنظام العمل والإقامة بدأ يولد فوضى بالسوق، حيث أثر سلباً على فرص العمل للشباب السعودي، بل وتصاعدت مشكلة العمالة المخالفة وكثُرت في المناطق والمحافظات، حيث سكن العديد من هؤلاء البيوت المهجورة وأنشؤوا مصانع الخمور والتزوير، ومارسوا الشعوذة، إلى جانب فتح المحال التجارية، في ظل التستر من قبل بعض المواطنين، وهو ما أضعف فرص العمل بالنسبة للعديد من الشباب السعودي.

•أما من الناحية الأمنية، فإنَّ الأجانب يشكلون نسبة كبيرة من الجرائم التي ترتكب في المملكة، إذ أنَّ بعضهم من المتسللين والمتخلفين في البلاد، وممن يقيمون بصورة غير نظامية.

•أصبح مجتمع المخالفين مجتمع جاذب لممارسة السلوكيات السيئة حيث تكون غالبية مجتمع المخالفين يمارسون عمليات تصنيع المخدرات أو ممارسة الجرائم الجنسية وإقامة الملاهي الليلة أو تشكيل عصابات إجرامية مما يجعل مجتمع المخالفين مجتمع جاذب للمراهقين ومن توجد لديهم بوادر إجرامية من المواطنين حيث نلحظ أن السجلات الأمنية تؤكد تورط أعداداً من المواطنين والمخالفين في ارتكاب الجريمة.

•تسبب المخالفون في ظهور أنماط جديدة للجريمة منها تصنيع الخمور وتهريب الخادمات وجرائم السطو المسلح والغش التجاري والترويج للسلع المنتهية الصلاحية وغيرها من الجرائم.

•مساندة المواطنين لرجال الأمن، وعدم التعاطف مع مخالفي نظام الإقامة والعمل ويتم ذلك من خلال، عدم إيواء مخالفي نظام الإقامة والعمل، وعدم التستر عليهم أو نقلهم، وعدم التعامل معهم وتشغليهم بل يجب أن يكون المواطن هو رجل الأمن الأول في الإبلاغ عن أي ملاحظات وعن مواقع تواجد المخالفين وعدم توفير العمل لهم.

•تطبيق أقصى العقوبات على من يقوم، بإيواء مجهولي الهوية ومخالفي نظام الإقامة والعمل أو التستر عليهم أو نقلهم أو التعاون معهم وذلك بتطبيق أقصى العقوبات ومحاسبته بموجب الأنظمة على هذه المخالفة.

•أثبتت السجلات الأمنية أن بعض حالات التسلل التي يتم التعامل فيها على الحدود ليست دائماً أن الشخص يتسلل فقط لغرض البحث عن وظيفة إنما قد يتسلل لنقل مواد محظورة أو مخدرة أو أسلحة.

كيف نواجه المشكلة..؟

نستعرض بعض الحلول من تحليلنا لواقع اعترافات المخالفين من رافضي التصحيحية ومن ذلك يجب تفعيل دور المواطن ليصبح المواطن رجل الأمن الأول وذلك من خلال عدم التعاطف مع المخالفين أو إيوائهم أو التستر عليهم والاستجابة لنداءات وزارة الداخلية في الإبلاغ عن مواقع المخالفين.

وتكثيف الحملات الأمنية في جميع المناطق والمحافظات وعدم اقتصارها على جهة واحدة، مع وجوب تطبيق الأنظمة وإعادة دراساتها من قبل المختصين، وتقليل الفرص الممنوحة للمخالفين من الجهات الخدمية، وإعادة دراسة فكرة الترحيل المجاني للمخالف بعد تسليمه لنفسه ووضع ضوابط جديدة للترحيل المجاني، مع إعادة دراسة صرف مكافآت للموقوفين بسجون التوقيف للمخالفين وعدم إتاحة فرصة العمل لهم داخل دور التوقيف، وتكثيف الرقابة على الشركات والمؤسسات وخاصة المؤسسات العاملة بتأجير سيارات الأجرة التي تقوم بتوفير فرص العمل للمخالفين وتطبيق أقصى العقوبات بحقهم، ومنع العمل على الأرصفة في البيع والشراء من قبل البلديات وتكثيف الحملات الرقابية والترحيل الفوري للمتورطين بذلك، ومضاعفة الجهود الأمنية لأمن الحدود، ورفع غرامات نقل المخالفين، ومضاعفة عمل النقاط التفتيشية على مداخل ومخارج المدن للحد من تنقل مخالفي نظام الإقامة، إلى جانب مضاعفة عقوبات جرائم الهروب من الكفلاء وعدم الاكتفاء بالترحيل المجاني، ودراسة جدوى تصحيح وضع المخالف الهارب أو القادم عبر التسلل، وأخيراً إقامة حملات رقابية مكثفة على محال الصرافة وتحويل الأموال للخارج وتطبيق أقصى العقوبات على المخالفين.

مقيمون استجابوا لحملة وطن بلا مخالف ينتظرون إنهاء إجراءاتهم
فوضى العمل على الأرصفة تغري المخالفين
أحد المقيمين يتحدث للزميل مناحي الشيباني (عدسة/بندر بخش)
رعاية صحية للموقوفين رغم مخالفتهم للأنظمة
بعض المخالفين يتجهون للعمل على سيارات الأجرة


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هاشم النعمي.. المؤرخ والقاضي والأديب

"هيئة الإحصاء": ارتفاع الصادراتِ السلعيَّة للمملكة خلال شهر فبراير 2022م بنسبة 64.7%