لجان زمان.. بساطة الإجراءات وسرعة الإنجاز
بدأ تكوين اللجان ببلادنا في وقت مبكر، فعندما يعترض سير العمل أي عائق مثلاً فإنه يتم على الفور تكوين لجنة من أجل بحث السبل الكفيلة بإزاحة تلك العوائق، لذا فقد كان من مهام اللجان الوقوف على ما يراد التحقق منه لحل مشكلة أو النظر في ما يتم تقديمه للمسؤولين من طلب أو دفع ضرر، وقد عرفت بلادنا اللجان منذ زمن طويل، فعلى سبيل المثال إذا ورد طلب من أهالي بلدة في بدايات انتشار التعليم لافتتاح مدرسة ابتدائية للبنين فإنه على الفور يتم تشكيل لجنة للذهاب إلى تلك البلدة من أجل التحقق من وجود العدد الكافي من الطلاب، حيث يتم الالتقاء بأمير البلدة، ومن ثم يتم التجول على أرجائها ومعرفة عدد الطلاب التقديري الذين تنطبق عليهم السن القانونية لافتتاح المدرسة، كما يقومون بزيارة إلى مدرسة "الكتاتيب" التي سبقت التعليم النظامي بكثير ويتم إحصاء الطلاب الذين يسمح سنهم بالتسجيل بالصف الأول وإحصاء من يكبرهم سناً لتوزيعهم على فصول المدرسة، ومن ثم يتم تفقد مباني البلدة للنظر فيما يصح منها لاستغلاله كمبنى مدرسي، ومن ثم تعود اللجنة وأعضاؤها إلى مقر الوزارة أو المديرية وترفع تقريرها بما حصلت عليه من معلومات، فيتم على إثرها استصدار قرار بالموافقة على فتح مدرسة من عدمه، وبعد ذلك تتوالى اللجان حيث تشخص لجنة أخرى للنظر في اختيار مبنى مدرسي وبعد ذلك يتم توجيه المعلمين والأثاث إلى المبنى الذي اختارته اللجنة الخاصة بمعاينة المبنى وتقدير الأجور، وهكذا.
بساطة الإجراءات
كان عمل اللجان فيما مضى سائداً وأعمالها دائمة ورغم بساطة الإجراءات وقلة الإمكانات إلاّ أن هذه اللجان كانت تعقد اجتماعها وتخرج بتوصياتها في فترة زمنية بسيطة، أما لجان اليوم فقد تعددت وكثرت مسمياتها حيث تضم كل دائرة حكومية العديد من اللجان، فالمدارس مثلاً يوجد فيها لجان متعددة كلجنة التوجيه والإرشاد ولجنة القبول ولجنة التوعية وغيرها، وتجتمع بشكل دوري ويتم إقرار العديد من التوصيات، كما أن اللجان في السابق كانت تعقد عند الحاجة لها فقط ومن ثم يتم حلها إذا أدت الغرض المراد منها، ولكن في أيامنا هذه فقد دعت الحاجة إلى تأسيس لجان دائمة من أجل النهوض بالعمل ومتابعته على الدوام ومن ذلك "لجنة الحج المركزية"، التي تستعرض أداء الجهات المشاركة في كل عام وعمليات التطوير التي تجرى طوال العام من أجل تقديم الخدمة المطلوبة لضيوف الرحمن على أكمل وجه.
دور متكامل
وتعرّف اللجنة بأنها مجموعة من الأشخاص الذين يقومون بدور متكامل لتأدية مهمة معينة لمنظمة ما، وتستخدم اللجان من أجل نشر المعلومات، وتقديم النصح، وتوليد الأفكار، وحل مشكلات معينة، وتسهيل التنسيق والاتصال والتعاون، والتوصية بالإجراءات واتخاذ القرارات، فاللجان لا يمكن الاستغناء عنها في أي دائرة، وعادةً ما توجد في كل مكان حتى إن لم تكن معينة رسمياً، ويرجع هذا إلى أن القرارات والمشاورات الجماعية مطلوبة ولها من الأهمية والقيمة ما يفوق القرارات الفردية والاستبدادية، وتنقسم اللجان إلى قسمين: "لجان دائمة" و"لجان مؤقتة"، وكانت معظم اللجان التي يتم تشكيلها فيما مضى من اللجان المؤقتة والتي تشكل لأغراض معينة، وتنتهي بانتهاء المهمة التي شكلت من أجلها أو بقرار من الجهة التي شكلتها، فإذا ما قررت جهة ما تشكيل لجنة خاصة اختارت رئيساً للجنة وأعضاءها، وأوكلت إليها المهمة التي تريدها، وحددت مدة تقديم التقرير بزمن معين يكون فيه سعة لإكمال المهمة ويزيد، وعندما ترفع اللجنة تقريرها فإنها تحل على الفور إذا استكملت دراسة أو إنجاز ما أوكل إليها بنجاح.
جولة ميدانية
وقد كانت تنقلات اللجان فيما مضى تتم من الصباح الباكر حيث يشخص أعضاء اللجنة إلى المكان الذي يريدون التحقق من معلوماته ومدى الحاجة إلى ما يتم رفعه للمسؤولين من طلب للخدمات الضرورية كافتتاح مدرسة أو مستوصف وغيرها، أو بالوقوف على أساس المشكلة إن وجدت، حيث تقوم اللجنة بالمرور على المسؤول الأول في البلدة وتناقش معه الموضوع المراد التحقق منه، وقد تقوم بجولة ميدانية للتأكد من صحة المعلومات من عدمها، وفي النهاية تسجل تقريرها بتوقيع جميع أعضاء اللجنة، وعند علم الأهالي في ذلك الوقت بوصول اللجنة يقومون بالاحتفاء بهم وتقديم كافة المعلومات التي يطلبونها ويوفرون لهم كل أسباب الراحة، حيث كانت اللجان تحظى باحترام الجميع وتقديرهم مما كان له الأثر الأكبر في نجاح مهمة اللجان الميدانية.
هدية الكبشين
وكثيرة هي المواقف التي مرت بسير عمل اللجان، خاصةً ما كان منها ميدانياً، إذ يتطلب عمل اللجنة السفر إلى المكان المراد رفع تقرير عنه في أحد البلدان حيث يتم الالتقاء بالمسؤولين ومن ثم قد يتم لقاء عدد من المواطنين أثناء الزيارة، ومن المواقف دائمة الحدوث هي مواقف تكريم أعضاء اللجان والمبالغة في تكريمهم من قبل المواطنين، خاصةً في البلدات والقرى البعيدة، فما أن يرى أحد المواطنين أعضاء لجنة في زيارة مركز صحي مثلاً بغية تطويره أو لجنة لتحديد مسار طريق إلاّ وتجده يسارع إلى دعوة أعضاء اللجنة إلى وليمة الغداء حيث إن جل الزيارات تكون منذ الصباح الباكر.
وفي موقف طريف فقد حدث لإحدى اللجان التي زارت إحدى القرى لتطوير أحد المرافق الصحية، فما أن علم أحد وجهاء القرية بقدومهم فذهب للقائهم وطلب منهم أن يزوروه في بيته ليكرمهم بأن يهيئ لهم طعام الغداء ولكنهم رفضوا معللين ذلك لوجوب عودتهم إلى مقر عملهم قبل انتهاء الدوام في ذلك اليوم، وأبلغوه أنهم في مهمة رسمية، وأمام إصرارهم بالمغادرة تركهم وذهب سريعاً ثم عاد وهو يحمل في صندوق سيارته "كبشين" ومن ثم أنزلهما وأركبهما في سيارة اللجنة التي حاولت أن تثنيه عن ذلك ولكنه حلف بأغلظ الأيمان أن يأخذوها مقابل عدم قبولهم لتناول الغداء عنده، فما كان منهم إلاّ أن رضخوا لرغبته وذهبوا بها إلى مقر عملهم وأخبروا المدير بذلك والذي بدوره أثنى على موقف ذلك المواطن وطلب من أعضاء اللجنة إعداد وجبة عشاء منها لجميع موظفي الإدارة في منزل أحد زملائهم.
عاشق التصوير
وفي موقف آخر فقد مرّ بعض المتنزهين بإحدى القرى وكانوا خمسة أشخاص ومعهم شخص مغرم بالتصوير ويحمل كاميرا احترافية معه أينما ذهب، ولما شاهد معالم القرية التراثية استوقفه جمالها فطلب من زملائه الوقوف لتصوير عدد من معالمها، وبالفعل توقفوا وبدؤوا بجولة على أرجاء القرية، وفي أحد الأزقة واجههم رجل مسن من أهل القرية فرحب بهم وأخذوا يسألونه عن تاريخ البلدة ومساجدها القديمة وسوقها فأخذ يجيبهم، وبعد لحظات حضر إلى هذا الرجل شخص يقول له إن "فلان" من قرية مجاورة يريد لقاءك، فغضب الرجل المسن وقال له ألا تشاهدني مع اللجنة، ظاناً أن من يمشي معهم لجنة تزور القرية من أجل الوقوف على احتياجاتها وأمره أن يختلق له عذراً ويصرفه فهو مشغول، وأكمل مشيه معهم وهو يسرد احتياجات القرية من الخدمات، فما كان من المتنزهين إلاّ أن كتموا ضحكاتهم، وشكروا الرجل المسن على المعلومات التي أفادهم بها، ورفضوا قبول دعوته لتناول القهوة وغادروا سريعاً.
لجنة الاختبارات
وكانت اللجان فيما مضى قليلة بقياس لجان اليوم وذلك لبساطة الإجراءات التي يتم بها ضبط سير العمل أو المشاكل أو العوائق التي يصطدم بها العاملون، فعند زيارة مسؤول أو وفد رفيع المستوى إلى أحد البلدان فإن استقباله يتم بطريقة عفوية، وذلك باجتماع مسبق بين أمير البلدة وأعيانها، حيث تتوزع المهام في هذا الاجتماع ويتولى كل شخص المهمة التي أوكلت إليه لإنجاح الزيارة، ولم يكن في ذلك الوقت استعانة بلجان كما هو عليه الحال الآن كلجنة استقبال ولجنة أخرى للضيافة وتنظيم وإعلام وغيرها، ولكن كانت هناك حاجة إلى بعض اللجان التي كانت في ذلك الوقت من الضروريات، ومن أشهر تلك اللجان فيما مضى لجان الاختبارات التي تعقد في كل المدارس، حيث كان للاختبارات هيبة وقيمة، والإقبال على الدراسة أكثر جدية، وكان النظام صارماً ولا مجال للغش في الاختبارات، لذا فقد كانت رئاسة اللجان توكل إلى قاضي البلدة وذلك لأهمية مراقبة الطلبة في قاعات الاختبارات لإتمام الشهادة الابتدائية أو المتوسطة والتي تعد أسئلتها من قبل الوزارة، فتكون الأسئلة موحدة وتوزع على جميع مدارس المملكة مختومة في ظروف ولا تفتح إلاّ أمام اللجنة قبل الاختبار بدقائق وذلك لضمان سرية الأسئلة وعدم إفشائها، أمّا الفصول الدراسية الأخرى والتي أسئلتها تعد من قبل معلمي المدرسة فقد كانت توكل إلى معلمي المدرسة ويختبرون الطلاب في الفصول الدراسية، ومن مهام لجنة الاختبارات مراقبة أداء الطلبة للاختبار دون وقوع حالات للغش، وإذا ما تم ضبط أحد الطلبة يغش فإنه يتم تحرير محضر بالواقعة ويتم التحفظ على ورقة الطالب والتوقيع في المحضر من قبل المراقبين ورئيس اللجنة، وغالباً ما يعاقب الطالب بالإكمال في المادة التي غش فيها وتكون درجته "صفراً" في ورقة الإجابة.
ومن اللجان التي كان يتم تشكيلها لجان حصر الأضرار التي تجتاح المحاصيل الزراعية جراء هطول الأمطار الغزيرة، والتي يتم على ضوئها تعويض المزارعين عن خسائرهم، ولجان التعديات على الممتلكات العامة أو على ممتلكات الغير من أراضٍ وغيرها، بحيث يتم على ضوء نتائج تقارير تلك اللجان اتخاذ اللازم بإزالة كافة التعديات التي تضر بالمواطنين أو بممتلكات الدولة، وغيرها من اللجان التي شكلت بشكل مؤقت وأدت الدور الذي أنشئت من أجله.
تشكيل اللجان
وكثر في زماننا هذا تشكيل اللجان بعكس ما كان عليه الوضع في السابق، وذلك للمستجدات التي يتطلبها هذا العصر، فأصبحت الضرورة ملحة لتشكيل تلك اللجان لمواكبة مستجدات العصر، فعلى سبيل المثال لا الحصر فهناك لجنة الحج العليا ولجنة الحج المركزية والذي جاء تشكيلهما انطلاقاً من حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على تطوير كافة الخدمات المقدمة للحجاج، وتضم لجنة الحج العليا في عضويتها كلاً من وزير الداخلية - رئيس لجنة الحج العليا -، أمير منطقة مكة المكرمة - نائب رئيس لجنة الحج العليا - ورئيس لجنة الحج المركزية، ورئيس الهيئة العامة للطيران المدني، ووزير الشؤون البلدية والقروية، رئيس هيئة الهلال الأحمر السعودي، أمير منطقة المدينة المنورة، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وزير المالية، وزير الحج، وزير الاقتصاد والتخطيط، وزير النقل، وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، وزير الصحة، وزير المياه والكهرباء، وزير الثقافة والإعلام، رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، وتكون هذه اللجنة مرجعاً لكل ما يهم الحجيج، وتصدر في كل موسم من مواسم الحج إحصائيات لعدد الحجاج والوضع الصحي لهم، وفي كل عام تعلن اللجنة -ولله الحمد - خلو الحج من الأمراض المعدية ونجاح موسم الحج حسب الخطط المرسومة لها.
ومن اللجان التي فرضتها الحاجة لجان القبول والتسجيل في الجامعات والمعاهد والكليات العسكرية وغيرها من المدارس التي تحتاج إلى فرز المتقدمين للمفاضلة بينهم، وكذلك لجان التنمية الاجتماعية الأهلية في كل مدينة وقرية، والتي تشرف عليها مراكز التنمية الاجتماعية وتعمل على حث الأهالي وتشجيعهم على تكوينها لبحث الاحتياجات العامة لمناطقهم ومجتمعاتهم المحلية، والعمل على تلبيتها من خلال برامج التنمية المتنوعة التي تقترحها اللجان، ويسهم فيها أفراد المجتمع مادياً ومعنوياً، وما زال تشكيل اللجان يتوالى حسب الحاجة إليها.
تعليقات
إرسال تعليق