هناك من يتصوّر أشياء غير حقيقية من الآخرين فتجده يبتعد عنهم ليعيش منطوياً وغير متفاعل

يعتبر سوء الظن بالناس مرضا أخلاقيا، ومن الخصال المذمومة والقبيحة، التي تؤدي إلى الشك وعدم الثقة، وهو مؤشر خطير يقضي على ترابط المجتمع وتماسكه. ولهذا المرض الخطير أسباب وتداعيات وعواقب سلبية.

ويرجع سوء الظن إلى أسباب نفسية واجتماعية يعيشها الفرد خلال حياته اليومية، وبالتالي يكون قد صوّر في داخله صورة سلبية عن المجتمع، فيراه عدوانياً وسلبياً، لذلك تكون ردة فعله الداخلية والنفسية تجاه الآخرين سلبية، فلا يتوقع منهم سوى السوء، ما ينعكس على حياته وعلاقاته، فقد يتحول إلى انطوائي وغير متفاعل، حيث إن توقعاته الداخلية المسبقة للأحداث تبعده عمن حوله، في سبيل تحقيق الأمان الذي ينشده لنفسه.

نتاج خلل

وقال محمد الرياني- إعلامي وتربوي ومهتم بالشأن الاجتماعي-: قد يكون سوء الظن والشك ضرباً من الإسقاطات والازدواجية الشخصية، ولا شك فإن أسباباً نفسية حقيقية تقف خلف عدم التوازن والارتباك لدى هؤلاء، فتكون حياتهم مثقلة بالتفكير السلبي، الذي ينعكس بدوره أيضاً عليهم، مضيفاً أن سوء الظن من الناحية النفسية هو نتاج خلل في التنشئة منذ البداية، حيث لم تجد من يصلحها، فاتجهت بطريق متواز مع صاحبها، ليتطور الوضع إلى سلوك يعصف بعلاقاته مع الآخرين، مبيناً أن خطر المسألة يمتد إلى علاقة الفرد بأسرته (زوجته وأبنائه)، أو علاقته بالآخرين ونياتهم وأخلاقهم، مُشدداً على أهمية تكثيف المؤسسات الاجتماعية والتعليمية نشر ثقافتها وبرامجها التأهيلية التي تحد أو تعيق استمرار مثل هذه التصرفات أو الإسقاطات السلبية التي تخلق فرداً منهزماً مكسوراً غير منتج، وشخصاً لا يميل إلى تكوين علاقات خارجية متينة مع المجتمع.

إصلاح الأنفس

وأوضح محمد الحكمي -تربوي- أن ديننا الإسلامي يدعونا إلى حسن الظن بالناس، والابتعاد كل البعد عن سوء الظن بهم والشك فيهم؛ لأن سرائر الناس ودواخلهم لا يعلمها إلاّ الله تعالى وحده، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»، فسوء الظن والشك يؤدي إلى الخصومات والعداوات، بل تقطع الصلات بين الناس، وليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد، مبيناً أن الواجب على المسلم أن يحسن الظن بإخوانه، وأن يحمل ما يصدر عنهم من قول أو فعل على محمل حسن، ما لم يتحول الظن أو الشك إلى يقين جازم، فالله عز وجل أمرنا بالتثبت فيما يصدر من الآخرين نحونا ونحو إخواننا، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»، فكم أوقع سوء الظن من فراق بين المتحابين، وقطيعة بين المتواصلين، وأدى إلى نتائج لا تحمد عقباها، مشيراً إلى أنه لكي نجتنب سوء الظن بالناس والشك بهم علينا إصلاح أنفسنا، ونقوم خطأها، ونرتقي بها إلى مراتب الآداب والأخلاق العالية، فإذا شغلنا أنفسنا بذلك، لم نجد وقتاً ولا فكراً يشغلنا في الناس وظن السوء بهم.

زوال الثقة

وأكد تيسير أبوطالب- مختص في علم النفس- أن سوء الظن خصلة من أشنع الرذائل الأخلاقية، التي تؤدي إلى الفرقة بين الأسر، وتمزّق المجاميع البشرية والإنسانية، وتؤدي إلى زوال الثقة بين الناس، مضيفاً أن هذه المشكلة تعود لأسباب نفسية واجتماعية يعيشها الفرد خلال حياته اليومية، وبالتالي يكون قد صوّر في داخله صورة سلبية عن المجتمع، فيراه عدوانياً وسلبياً، لذلك تكون ردة فعله الداخلية والنفسية تجاه الآخرين سلبية، فلا يتوقع منهم سوى السوء، مبيناً أن هذا الأمر قد ينعكس على حياة الفرد وعلاقاته مع الآخرين بشكل عام، فقد يتحول إلى انطوائي وغير متفاعل، حيث إن توقعاته الداخلية المسبقة للأحداث تبعده عن الآخرين، في سبيل تحقيق الأمان الذي ينشده لنفسه، وهذا يختلف تماماً عن الحرص الذي يجب على الإنسان اتباعه، ذاكراً أن سلبيات سوء الظن كثيرة، فقد يتسبّب في أن يفقد أصدقاءه بسرعة، ويعيش حياة العزلة، وهذه الحالة هي أصعب الحالات النفسية الّتي يواجهها الفرد في الحياة الاجتماعية؛ لأن الشخص الطبيعي يكره أن يعاشر الشخص الذي يسيء الظن بأعمال الآخر وسلوكاته الصالحة، مشيراً إلى أن سوء الظن يشكل انحرافاً فكريّاً، حتى إن تحليلات صاحبه وأفكاره تكون في طريق الانحراف أيضاً وبعيدة عن الواقع، أمّا إذا لم يكن لدى الشخص سوء ظن إلى حد الحالة المرضية، فإنه سيعيد النظر في الأمر بموضوعية ووعي يكون له أفضل الأثر في العلاقة مع الشخص الآخر.

رصد الزلة

وتحدث علي عواجي- مختص في العلوم الإسلامية- قائلاً: إن سوء الظن من الصفات الرذيلة، وهو من الأمراض الأخلاقية المدمرة، مضيفاً أن من غمر قلبه سوء الظن، فإنه لا يرى الناس على حقيقتهم، ولا يمكنه إدراك الواقع، مبيناً أن الدين الإسلامي حذّر من هذا الخلق الذميم، قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى حرم من المسلم دمه وماله، وأن يظن به ظن السوء»، ذاكراً أن الإنسان الضعيف يلجأ للظن بالآخرين لسبب في نفسه؛ كأن يرى الناس بعين طبعه، لافتاً إلى أن ضعيف الإيمان يظن سوءاً بالناس؛ لأن الإيمان والثقة بالله لم تغمر قلبه.

وأضاف أن بعض خبيثي النفس لا يروق لهم رؤية الصالحين، فيرصدون لهم زلاتهم وغفواتهم، ويسيئون الظن بهم، ويعملون على إفساد صورتهم في عقول الناس، موضحاً أن لسوء الظن آثار سيئة، فهو يجعل الإنسان منعزلاً عن الآخرين، ومتخوفاً منهم، ويظن بهم أنهم سيؤذونه فيعزل نفسه نفسياً واجتماعياً ويصبح منطوياً ومنزوياً.

أكبر شريحة

وأوضح حسن الجعفري- إعلامي- أنه لا يتوقف الأمر عند البعض بإساءة الظن بالآخرين، وإنما يتعدى إلى التشهير بهم، فتنتقل عدوى إساءة الظن إلى أكبر شريحة من الناس، وهذه طبيعة منتشرة بين أناس لا يتقون الله تعالى في أعراض الآخرين، فكل همهم التعدي على خصوصياتهم، والتدخل في شؤونهم الخاصة، مضيفاً أنه تتعدد مواقف سوء الظن وتتنوع لتشمل الفرد والأسرة والمجتمع، فنجد زوجة تسيء الظن في زوجها، وتقوم بالتجسس عليه ومراقبة اتصالاته، كما نجد أيضاً كثيرا من الأسر تسيء الظن ببعضها بعضا، مبيناً أن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو في اجتنابه والابتعاد عنه نهائياً كما أمرنا الله سبحانه وتعالى.

سوء الظن يعصف بالعلاقات مع الآخرين
محمد الرياني
حسن الجعفري
محمد الحكمي
تيسير أبوطالب
علي عواجي


from جريدة الرياض >https://ift.tt/2LRqDHg
via IFTTT

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هاشم النعمي.. المؤرخ والقاضي والأديب

"هيئة الإحصاء": ارتفاع الصادراتِ السلعيَّة للمملكة خلال شهر فبراير 2022م بنسبة 64.7%