بعد إقرار نظام التحرش.. المرأة مطالبة بزيادة ثقافتها الحقوقية

ثمّن المجتمع - على اختلاف شرائحه - خطوة إقرار نظام التحرش أخيراً، وتوقع كثيرون أن يضع مثل هذا النظام الحد لبعض الممارسات السلبية في الأماكن العامة تجاه النساء، إلاّ أنه يبدو ومع إقرار مثل هذا النظام ما زال هناك غياب للثقافة الحقوقية لدى بعض السيدات اللاتي يجدن حرجاً في الدفاع عن حقهن الأدبي، وذلك كنوع من التحفظ أمام المارة، ولخصوصية المرأة المتعارفة. وقد تحدث بعض الممارسات غير اللائقة من بعض الأفراد تجاه السيدات في الأماكن العامة، التي تدخل ضمن التحرش اللفظي، الذي أقر النظام الأخير المحاسبة عليه، كأن تكون تلك الألفاظ خادشة للحياء، أو تصف جسدها، أو تنعتها بوصف من الأوصاف، وعلى الرغم من أن ذلك الفعل يعاقب عليه القانون، إلاّ أنه مع الأسف نسبة كبيرة من الشباب في مجتمعنا يطلق تلك الألفاظ على كثير من الفتيات اللاتي يشاهدونهن في الأسواق أو المتنزهات أو المتاجر والأماكن العامة الأخرى، فهناك من يسير بسيارته بمحاذاة سيارة تقودها امرأة، فيطلق عليها ألفاظا نابية دون مناسبة، فيما ذهب الآخر لتصنيف بشرتها، فيما وصفها الآخرون بالسمنة أو الطول الشديد، ما يسبب إيذاء معنويا، وغالباً ما يمضي الموقف ويذهب الشاب بفعلته دون أن تكون هناك ردة فعل واضحة تجاه إساءته لامرأة لا يعرفها فقط لمجرد الإيذاء، وذلك ما يحدث مع الأسف، فبعد إقرار نظام التحرش، هل تحتاج المرأة اليوم إلى ثقافة حقوقية تستطيع من خلالها أن تعي حقوقها، وتعرف كيف تدافع عنها بالنظام؟ ولماذا يغيب مثل هذا الحق عن كثير من الفتيات، فلا نجد من تقوم بملاحقة ذلك المعتدي بالألفاظ قضائيا؟

اتفق كثير من السيدات على أن ثقافة المرأة الحقوقية ضعيفة جداً إذا ما قورنت بعدد المرات التي تقع فيها ضحية لفظ غير لائق من شاب، فكثير من السيدات يخجلن من مجرد الرد على الشاب الذي يصفها بالسمنة، أو قصر القامة، أو بأي وصف يسيء لها، فيكتفين بالصمت والهرب من الموقف، فيما يتجاوز الشاب تلك الألفاظ إلى تكرارها بصوت عال، وربما تجاوز ذلك الوصف إلى توجيه الكلام والوصف للمرأة لاستفزازها دون أن يصدر منها أي ردة فعل، وطالب بعض النساء بضرورة أن تتعلم المرأة كيف تدافع عن حقوقها، ثم كيف تتصرف في حال حدوث مثل هذه السلوكات غير اللائقة اجتماعياً وشرعاً، ثم كيف تلاحق مثل هذا الشاب قانونياً.

سلوك خاطئ

ورأت امتثال الحكيم - ممرضة مختبر- أنه مع الأسف يمارس كثير من الشباب سلوكات لا تدل أبداً على التحضر، فربما تكون المرأة تسير في طريقها فتفاجأ بشاب يطلق عليها ألفاظا خادشة للحياء دون سبب، وهناك من يحاول أن يصف أي وصف في جسدها لاستفزازها بطريقة مقززة، ويحدث ذلك مع الأسف أمام مرأى الجميع، دون أن يوجد من يرد عليه، أو يوجه له الملاحظات بأن ما يفعله سلوك خاطئ، ويدخل ضمن الجريمة، مضيفةً أن الاعتداء على الآخرين دون وجه حق يدخل ضمن الجريمة التي يعاقب عليها القانون، إلاّ أن المشكلة الكبيرة ليست في عدم قدرة المرأة على الرد على تلك الألفاظ، أو أخذ بيانات ذلك الشاب لمحاسبته قضائياً، إنما المشكلة في النظام غير الصارم في حق من يطلق الألفاظ النابية والمسيئة تجاه النساء في الأماكن العامة - حسب قولها قبل إقرار نظام التحرش-، مؤكدةً أنه حينما يوجد النظام الصارم جداً بمعاقبة المسيء، الذي يجعل منه عبرة لكل من تسول له نفسه أن يعتدي على النساء بالألفاظ النابية، فإن ذلك سيكون رادعا له ولأمثاله ممن يستسهل التجاوز مع النساء، من منطلق أنهن سيدات، ولا يستطعن الرد بشكل معلن أمام الجميع، خاصةً حينما تكون تلك الإساءة بألفاظ محرجة أو خادشة للحياء، فإن طبيعة المرأة تدفعها إلى الهرب من الموقف بالصمت أو التجاهل، وهذا ما يدفع البعض إلى التمادي وتكرار السلوك ذاته مع كثير من الفتيات.

غياب الوعي

وأشارت هنادي فهد- ربة منزل- إلى الموقف المحرج الذي تعرضت له في أحد الأسواق التجارية؛ حيث كانت تسير مع أطفالها في السوق للتبضع، وفوجئت بشاب برفقة صديقة يوجه لها ألفاظاً غير لائقة، بل يرفع صوته في المكان بوصفها بالسمنة بطريقة مخجلة، وكرر ذلك مراراً وهو يؤشر عليها بيده حتى غاب عن الأنظار، ما دفعها إلى الشعور بالألم النفسي والحرج الشديد والغضب؛ لأنها لم تعرف كيف تتصرف أمام هذا الشاب الذي أعطى نفسه حق الإساءة، وفعل ذلك دون خجل أو خوف، على الرغم من وجود كثير من الناس في السوق بين رجال ونساء وأطفال وأحد «سيكيورتي» إحدى البوابات، مُشددةً على ضرورة أن تتم توعية النساء بالطرق التي تحفظ كرامتهن وكيانهن أمام المجتمع بفرض العقوبات الصارمة جداً، ووضع تلك العقوبات في الأماكن العامة مكتوبة، فالمشكلة أن هناك من يتمادى ويطلق ألفاظا مخجلة بطريقة تلقائية ودون سبب، وكأن هذا السلوك الطبيعي أن يحدث، وهذا يدل على غياب الوعي الحقوقي لدى المرأة ولدى المجتمع الذي لا يعترض أو يقاوم مثل هذه السلوكات.

طبيعتها الخجل

وقالت معالي الخالد - موظفة في أحد المتاجر التجارية-: إن هناك وعيا حقوقيا لدى بعض السيدات، لكنهن قلة فيما يتعلق بمن يتعرض لهن من الشباب بألفاظ نابية أو وصف غير لائق، فالمشكلة أن المرأة من طبيعتها الخجل، وحينما تسمع أحدهم يصفها أو يعيبها بأي وصف تهرب من الموقف، إلاّ أن ذلك لا يمنع من وجود بعض السيدات من يمتلكن قوة في التصرف ولديهن وعي حقوقي كبير، مشيرةً إلى الحادثة التي حدثت أمامها في أحد المتاجر التي عملت فيها، حيث كان هناك طابور من الزحام على الكاشير للمحاسبة، وكانت تقف سيدة من البشرات الداكنة، فتقدمها رجل مع زوجته للمحاسبة متجاهلاً دورها، وحينما طلبت منه الالتزام بدوره أطلق عليها ألفاظا نابية بكل غطرسة، فخرجت تلك المرأة من مكان وقوفها وخرجت، ثم لحظات حتى عادت برفقة أحد رجال الأمن تطلب منه أن يوقف هذا الرجل الذي وصفها بألفاظ خارجة عن الاحترام الإنساني، معلنةً أمام الجميع أنها سترفع دعوى قضائية ضد ذلك الرجل المعتدي، وذهب جميع الأطراف إلى مقر الشرطة، مبينةً أنها الحادثة الوحيدة التي شاهدت فيها امرأة تتحدث بكل تلك الثقة، وتطالب بحقها في ردع ذلك المسيء الذي كان مستفزاً ومتغطرساً في إطلاق الأوصاف غير اللائقة لتلك السيدة.

حجم الضرر

وتحدثت بيان زهران- محامية- قائلةً: إن هناك فرقا بين اللفظ الذي يدخل في حكم القذف ويطبق عليه أحكام حد القذف، الذي تطبق عليه العقوبات الشرعية، حيث يتم جلد الجاني 80 جلدة في حال إثبات القذف، وهذا في حال دخل القذف الموجه للمجني عليه قذفا صريحا كالرمي بالزنا، أما فيما يتعلق بالسب أو إطلاق الشتائم أو ألفاظ تسيء إلى الآخرين، فينطبق عليها الأحكام التعزيرية بحسب حجم الضرر الناتج عن هذه الألفاظ، ونوع الإساءة، وكيف حصلت، فجميع هذه الأمور ينظر إليها القاضي في الحكم، مبينةً أنه في كلتا الحالتين يوجد حق عام وحق خاص، فالحق العام هو حق الدولة أو حق المجتمع جراء ارتكاب هذا الفعل والقيام به، أمّا في الحق الخاص وهو الذي يتعلق بحق المعتدى عليه بذلك اللفظ، وتكون الأحكام متدرجة بحق المعتدى عليه، ففي حال كان اعتداء لم تنتج عنه أضرار كبيرة، فيمكن أن تبدأ العقوبات بالتعهد، وقد تنتهي بالجلد والسجن؛ لأن الأحكام التعزيرية متفاوتة، وهناك سلطة تقديرية للقاضي لتحديد حجم العقوبة بحسب الضرر الناتج عن الفعل المجرم.

نظام التحرش كفل للمرأة حقها في حال تعرضها لأي موقف سلبي
بيان زهران


from جريدة الرياض >https://ift.tt/2naloVb
via IFTTT

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هاشم النعمي.. المؤرخ والقاضي والأديب

بعد اقتحامها الكونجرس.."FBI" يحقق في نية امرأة بيع كمبيوتر بيلوسي لروسيا

محمد بن لادن.. مقاول توسعة الحرمين