حفلات الطلاق.. ردة فعل معاكسة!
لكل نوع من المشاعر الإنسانية تعبيرات مختلفة إمّا تعبير ذاتي وإمّا تعبير مجتمعي بمشاركة الأصدقاء والأقارب والأهل، وهو ما يكشف عن تخطي أزمة أو تحقيق حلم أو وصول إلى غاية، سواء كانت فرحة نجاح أو تخرج أو عمل جديد أو قدوم مولود، لكننا اليوم للأسف نرى حفلات من نوع آخر ألا وهي حفلات «الطلاق»، حيث تعتبر لبعض النساء فرح وسعادة، ليبرز السؤال: هل حفلة الطلاق تُعد شعوراً معاكساً أم شعور انتقام وتحدٍ؟.
وعلى الرغم أن الطلاق يُعد حلاًّ إذا يئس الزوج من استمرار الألفة والمودة والصفح والتسامح، إلاّ أن إقامة حفلة بهذه المناسبة من قبل الزوجة يُعد أمراً غير مبرر، فهو بمثابة انتقام، وهذا لا يُمثل الأشخاص الأسوياء، حيث يجب على المرأة مواجهة الأحزان بعقل وحكمة، وأن تُعيد ترتيب أوراقها من جديد، ولا مانع من خوض تجربة أخرى عبر الزواج من رجل آخر، دون الإساءة إلى شريك حياتها الأول أو السابق.
غير مبرر
وقال د.أحمد الحريري -برفيسور الصحة النفسية-: إن حفلات الطلاق مسألة اجتماعية ملفتة لانتباه أي متخصص في الشأن النفسي والاجتماعي والديني، مضيفاً أنها تعبر عن طريقة معينة في التفكير والتصرف لأولئك الأشخاص الذين يقومون بها، أو يؤيدونها، فهي بكل بساطة تعبير عن الفرح بشيء مكروه أساساً وهو الطلاق، وحتى إن كان ذلك خلاص للمرأة من عذابها وألم العشرة مع طليقها، فهذا أبداً غير مبرر لاحتفالها بالطلاق، كما أنه تعبير لا شعوري أحياناً من المرأة لأن الطلاق لا يقلل من قدرها ولا ينقصها شيء لذا فهي تحتفل به، مبيناً أنه قد يكون الاحتفال بالطلاق إعلان اجتماعي بفتح المجال لخاطب جديد، ولأي سبب كان هذا النوع من الاحتفالات فهو غير مبرر إطلاقاً، ولا يجب أن تكون في مجتمع أخلاقي لا يفجر في خصومه، ولا يفرح بانتقام، وهي بلاشك ليست من شيم الأسوياء، مشيراً إلى أن ذلك لا يُعد من القيم الاجتماعية، ناصحاً كل من يُعزم على مثل هذه الحفلات عدم حضورها وعدم تشجيعها بأي حال من الأحوال، وكذلك كل من استحالت عشرته بالمعروف مع شريك حياته الانفصال بالحسنى كما هو هدي النبوة وعادة المؤمن الصادق.
نقص الوعي
وأوضحت هدى العوني -أخصائية اجتماعية- أن هناك عدة أسباب لانتشار حفلات الطلاق، فهي تقليد للغرب ومن تداعيات الغزو الثقافي الغربي للبلاد، إضافةً إلى تقليد النساء لبعضهن والادعاء أنهن سعيدات بذلك الشيء، وهذا سبب انتشارها بين أواسط الجنس الناعم، مضيفةً أنه من الأسباب نقص الوعي، لذلك لابد من إعطاء النصح وإقامة المؤتمرات والندوات واللقاءات للنساء والرجال وأيضاً نظرة المجتمع لها، ذاكرةً أن المجتمع يرفض تماماً هذه الاحتفالات ويستنكرها أيضاً كونها أبغض الحلال عند الله، مبينةً عواقب تلك الحفلات وهي تأثر الأبناء نفسياً واجتماعياً إذا كان هناك أبناء بينهم، فما هو شعورهم وما هي مرئياتهم ووانعكاساتهم النفسية والاجتماعية على هذا الحفل، مُشددةً على أهمية مراعاة مستقبل الأولاد؛ لأن المرأة لا تعرف ماهي التراكمات التي تحدث للأطفال من بنات وأولاد بعد انتهاء الحفلة، كذلك لابد من تحديد هل الزواج كان على اتفاق بين الطرفين أم مصلحة أم فرض على إحداهم؟، حتى نعرف بعدها إذا كان الغرض من هذه الاحتفالات بطلاق فرح أم انتقام أم حرية، مشيرةً إلى أنها ترى أن ذلك يُعد قضية شخصية بين الطرفين، أي انتقام.
وأضافت أنها من الناس الذين يرفضون ولا يؤيدون هذه الاحتفالات لعدة أسباب وهي مخالفة عاداتنا وتقاليدنا، وأيضاً أبغض الحلال عند الله الطلاق وهذا من خلال الشريعة الاسلامية، كذلك هناك آثار نفسية واجتماعية على أبناء وبنات المجتمع، لهذا يجب على النساء المطلقات التعقل والتأني قبل الأقدام على هذه الاحتفالات، ناصحةً أنه بإمكان المرأة المطلقة أن تحتفل بطلاقها من علاقة سلبية بطريقة أخرى وهي أن تجدد حياتها، فالحياة لا تتوقف عند شخص معين، أي تتزوج، وكذلك تذهب للعمرة لتجديد الروحانية في نفسها، وتنتقم بنجاحها وتطوير نفسها وكفاحها.
عدة عواقب
وتحدث د.ناصر عطية الله الذبياني -أخصائي نفسي- قائلاً: إننا لاحظنا في الأعوام الماضية ظاهرة احتفال المطلقة بطلاقها، وهذه أتت إلينا من دول الغرب وبعض الدول العربية، حتى وصلت إلى بلاد الحرمين الشريفين، وتعتبر مخالفة للفطرة، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبغض الحلال عند الله الطلاق»، فنجد أغلب المجتمع ينكرها ويرفضها، فمثل هذه الاحتفالات الدخيلة على مجتمعنا لها عواقب نفسية واجتماعية ومنها تساهل الطلاق عند النساء، فيزداد عدد المطلقات، وتتفكك الأسر، ويضيع الأولاد بين الزوجين مما يؤدي إلى مشاكل نفسية وانحرافات سلوكية، إضافةً إلى استمرار المشاكل بين الأسر، مضيفاً أن المحتفلة لا تهتم بمشاعر الزوج وأهله ولا مشاعر أطفالها، مبيناً أن لهذه الظاهرة أسباب كثيرة زادت من انتشارها ومنها تشجيع النساء المطلقات لبعضهن البعض، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن من يقوم بهده الاحتفالات هُن من تتوجه إلى المحاكم بإقامة دعوة ضد الزوج سواء خلع أو فسخ نكاح، وعندما يصدر الحكم تشعر بالانتصار، وأنها لم تتأثر نفسياً، وتريد أن تغير من نظرة المجتمع السلبية نحو المطلقة، فتزداد ابتهاجاً وفرحاً بأنها انتصرت وتخلصت من سيطرة الزوج، وفي نظرها أن هذه الحفلة تقهر الزوج، وأنها ردة فعل على سوء معاملة طليقها سواء كانت المعاملة بدنية أو نفسية، وأنها تخلصت من معاناة في حياتها الزوجية، حيث عاشت سنوات سواء كانت طويلة أو قصيرة مع رجل ترى أنه لا يستحقها، وأنها ضيعت عمرها وتريد أن تعوض ما بقي فتجعل النهاية لهذه المعاناة فرح وسعادة.
وأشار إلى أن الحيل الدفاعية النفسية في اللا شعور تلعب دوراً كبيراً في إقامة حفلة بمناسبة طلاقها، ومن أهم هذه الحيل هي ردة الفعل المعاكسة، وهي إحدى الطرق لإزالة الدافع غير المقبول اجتماعياً، فالطلاق غير مقبول، ونجد المطلقة تقوم بعمل مضاد، فالفرح والاحتفال ما هو إلاّ ردة فعل معاكسة للحزن الذي بداخلها والفشل في العلاقة الزوجية ونظرة المجتمع لها، فتقوم بعمل حفلة طلاق.
عدم تقبل الصدمة
وأوضح د.بندر الشريف -بروفيسور علم النفس- أن للزواج كثير من المنافع والفوائد، واستمرار العلاقة الزوجية مع وجود بعض المنغصات هي ما يغلب في الحياة الزوجية، وقد يصل أحد الزوجين أو كليهما لقناعة الانفصال عن الآخر وعدم قدرته على الاستمرار، وهنا يأتي الصلح والاستشارة وبعدها قد يكون الطلاق هو الحل، نعم الطلاق حل إذا يئس من استمرار الألفة والمودة أو الصفح والتسامح، متسائلاً: أياًّ كان سبب الطلاق وما عاناه أحد الطرفين هل ستكون الحفلة بعد الطلاق هي الحل؟، وهل ستذهب هذه الحفلة آلام وآهات المعاناة قبل الطلاق؟، مضيفاً لو أن كل من مر بأزمة وتجاوزها قام بحفلة لوجدنا كل يوم حفلة، لكننا نتجاوز الصعوبات ونحمد الله على أن وفقنا وسددنا لعلاجها، متسائلاً مرةً أخرى: كل من يقيم حفلة لزواج ما الصورة السلبية التي زرعها في عقول من حوله من صغار وكبار؟، هل الزواج شقاء لدرجة أن الطلاق له حفلة كحفلات التخرج والتفوق؟، هذا النوع من الضعف هو نوع من عدم تقبل الصدمات والتعايش معها بطريقة صحيحة، فهل نريد نثبت للآخرين أننا انتصرنا؟، ما نظرة الذين سيحضرون حفلة الطلاق؟، وما الذي سيقولونه؟.
وأكد على أن تلك الحفلة ليست من أعرافنا ولا من عاداتنا، فكل من طلقت يجب أن تفكر مع نفسها لماذا هذه الحفلات وما جدواها والفائدة منها؟، مشيراً إلى أن حفلات الطلاق تهوّن من أمر الطلاق وتقلّل من قيمة الزواج وترسل رسالة سلبية عن الزواج لغير المتزوجات، ناصحاً بإزالة هذه الأقنعة الزائفة التي نخفي بها حقيقة شعورنا، لنواجه الأحزان بعقل وحكمة ونفرّغ الشحنات بإيجابية، ومن المحبذ زيارة مختص واستشاري نفسي لنعيد اتزان الصحة النفسية لدينا.
from جريدة الرياض >https://ift.tt/2vDLwvH
via IFTTT
تعليقات
إرسال تعليق