المدير المتسلط.. الشدّة لا تجلب النجاح

ربما أسوأ ما يقابله الموظف في حياته المهنية هو المدير المتسلط الذي لا يسمع إلاّ صوته، ولا يقتنع إلاّ برأيه، يمارس صلاحيته بهيمنة مما يؤثر على عطاء الموظفين وإنتاجية القطاع الذي يمارسونه، بل يغلق كل الأبواب أمام موظفيه إذا حاول أحدهم التفاهم معه، ليصل الأمر بالبعض إلى تغيير وظيفته أو الانتقال إلى قسم آخر، وأحياناً يكون الخيار الوحيد تقديم الاستقالة.

قصص كثيرة نسجت تفاصيلها في مكاتب الموظفين الذين يعانون من تسلط مديريهم، الذين لا يفرقون بين سلطة الكرسي والشكل الحقيقي لإدارة المنشأة، نسردها من خلال هذا التحقيق.

لم تقدر ظروفي

تتذكر «شيرين الحيدري» مديرتها السابقة التي كانت تعاملها بجلافة وقسوة وتعاقبها على تأخيرها عن حضور الدوام، رغم أنها تعرف أن السبب هو ابنتها ذات الأربعة أعوام والمصابة بسرطان الرئة، وأنها كانت مضطرة لذلك بسبب عدم وجود من يقوم برعايتها خلال غيابها عن المنزل، مضيفةً: «أعلم جيداً أن العمل لا علاقة له بظروفنا الاجتماعية، لكنني موظفة مشهود لي بالتميز وإنجاز العمل، واستطعت خلال «15» عاماً أن أحصل على شهادات تثبت ذلك، وكل ما كنت أريده فقط تقدير ذلك، والسماح لي وفق الشروط بالذهاب مع ابنتي لأخذ جرعات الكيميائي، لكنها كانت دائماً تمنع خروجي وتسحبني بيدها إلى الداخل عندما أكون متجهة للخارج في مرات كثيرة»، واصفةً مديرتها بالمرأة المتسلطة قاسية القلب التي لا تقدر ظروف موظفاتها، لذلك قررت تقديم استقالتها هرباً من هذا التسلط ولتكون بجانب طفلتها المريضة.

وجه آخر

وواجه عبدالحميد الأمرين من مديره الذي كان صديق طفولته وزميله بالعمل، وأصبح خال أولاده بعد أن اقترن بالزواج من أخته توثيقاً لهذه العلاقة الجميلة، وبعد أن صدر قرار تعيينه مديراً في الشركة التي يعملان بها تغير خلال «24» ساعة ليصبح شخصاً آخر، مضيفاً: «بعد أن صدر قرار تعيين صديق عمري فرحت كثيراً، ودخلت عليه في مكتبه لأبارك له، لكنه صدمني عندما قال لي: المهم لازم من اليوم تفرّق بين الصداقة وصلة الرحم وبين علاقتي بك كمدير، طبعاً أكدت على كلامه الذي فيه الكثير من المنطقية، لكن في اليوم الثاني رأيت وجهاً آخر لم أعرفه طيلة عشرتي معه، وهو ما كان بداية لمعاناة طويلة لم تنتهِ إلاّ عندما انتقلت لقسم آخر للشركة في مدينة أخرى حفاظاً على العلاقة الأسرية بيننا».

أعمال إضافية

وعانى م. فؤاد عبدالله من مديره الذي يصدر قرارات كثيرة في الأسبوع لدرجة أن طعم قهوته الصباحية إذا لم تعجبه أصدر قراراً بتغيير نوعها في اليوم التالي! إضافةً إلى أنه يقوم بإزعاج الموظفين ويحاول تهميش البعض ومضايقة البعض الآخر بشكل يفوق الوصف ومن دون سبب، مبيناً أنه وبرغم محاولة الجميع التقرب منه وتحسين علاقتنا به، إلاّ أننا نجد منها صدوداً ومحاولات مستمرة ومتعمدة للانتقاص منا والتنكيد علينا، ومن ذلك تكليفنا بأعمال إضافية دون تقدير منه، مما سبب لنا ضغطاً وإرهاقاً في العمل أثر على إنتاجية الجهة التي نعمل بها، وننتظر جميعاً فرج الله في هذا المدير المتسلط.

هناك فرق

وتحدث د. سالم بن سعيد القحطاني - أستاذ الإدارة في كلية إدارة الأعمال قسم الإدارة العامة بجامعة الملك سعود - قائلاً: هناك فرق بين المدير المتسلط والحازم، وقد تختلط المصطلحات بين المديرين عند الكثير من الناس، خاصةً من غير ذوي الاختصاص، لكن عند أهل الاختصاص فإن المدير المتسلط هو شخص يعتمد في إعطاء الأوامر والتوجهات على قوة السلطة التي منحت له بموجب قرار تعيينه مديراً، وبذلك يستند على تلك السلطة التي منحت له من الإدارة العليا وعلى الخطاب الذي صدر لتعيينه، ويكون تعامله مع مرؤوسيه قائماً على تلك السلطة، وأحياناً يكون الاختلاف الحاصل في شخصيته بسبب تعيينه مديراً. ونسمع ذلك من أحاديث الموظفين الذين يتذكرون سلوكه قبل تعيينه مديراً، ويفرقون بين تسلطه الحالي وتعامله الراقي السابق، مضيفاً أنه من هذا المنطلق يمكن وصف المدير المتسلط بأنه الشخص الذي لا يراعي القواعد السلوكية الأخلاقية والتعامل المرن في تعامله مع موظفيه والاحترام المتبادل. مبيناً أن المدير الحازم هو الشخص القوي في غير عنف واللين في غير ضعف، والذي يعتمد بنسبة متوازنة على الاحترام والتقدير في تعامله مع الآخرين، وعندما تستدعي الحاجة فإنه يتكئ على السلطة القانونية التي منحت له.

وأشار إلى أن المدير المتسلط سيخلق الكثير من المشكلات في المنظمات، ونوعاً من النفرة لدى الموظف، وكذلك الكثير من المشكلات التي تأتي على صورة غياب للموظفين، أو الانتقال من الإدارة، أو انخفاض معنويات العطاء.

مع أو ضد

وعلّق بروفيسور علم النفس د. محمد القحطاني قائلاً: إن الشخصية المتسلطة بمختلف أدوارها في الحياة ترغب في فرض سيطرتها على الآخرين وعلى الأمور، وتريد التحكم في الأشياء من حولها، وأحياناً هذه الشخصية تقسم الناس إلى فئتين إمّا معها أو ضدها، وتجد بعض المديرين فعلياً يقسم الموظفين على ذلك، مضيفاً أن الناس لا تحب التعامل مع الشخصية المتسلطة والشديدة غالباً سواء كان مديراً أو خلافه، ويحاولون قدر المستطاع تجنبه، والموظفون عادةً يضطرون لتغيير وظائفهم أو نشاطهم بسبب هذا المدير المتسلط والذي يصعب التعامل معه، سواء رجلاً أو امرأة؛ بسبب هذا المدير صاحب الشخصية المتسلطة غير المرنة الأحادية التفكير، التي ترى نفسها دائماً على صح والآخرين على خطأ، مبيناً أن المشكلة أن هذه الشخصية لا تستطيع وضع نفسها مكان الآخرين لتشعر بشعورهم، وغالباً ما تكون هذه متشددة في طلباتها، مثلاً كأن يطلب المدير أمراً ما ويريده في الصورة التي طلبها، حتى إن الاعتذار والتبرير مرفوض إذا تعذر إتمام العمل الذي طلبه بسبب عدم مرونة التعامل وطريقة طلب الأشياء، لافتاً إلى أن هذه الشخصية تتصادم كثيراً مع من حولها ولا تتأثر بهذا التصادم بسبب الصلابة النفسية التي تتميز بها.

عواقب وخيمة

وأوضح د. القحطاني أن هذه الشخصية تنشأ بشكل تدريجي ودون أن يعي بها صاحبها، وبسبب ذلك غالباً ما ينكر أصحاب هذه الشخصية أنهم متسلطون، مضيفاً أن التنشئة الأسرية تعتبر أحد العوامل المهمة في تكوينها؛ نظراً لوجود تربية خاطئة من بعض الوالدين يستخدمونها مع أبنائهم تنمي التسلط والتشدد، كأن يتسلط الأب على أبنائه الذين يكتسبوا هذا السلوك الذي يكبر معهم، أو تربية الأبناء بطريقة تجعلهم يأخذوا الأشياء من الآخرين ليستحوذوا عليها ويجدون التشجيع من الأم والأب، إضافةً إلى الخبرات السلبية التي يمر بها الشخص، والتي تعتبر أحد العوامل التي قد تجعل منه شخصية متسلطة، فيعمم خبراته السلبية على الآخرين بمعنى أن يظل يردد قائلاً: «هؤلاء الناس ما ينفع معهم إلاّ القوة والشدة، وهؤلاء الناس لا تعطيهم وجهاً»، أحياناً يتسلط على الناس من باب حماية نفسه حتى لا يتعرض للأذى منهم لأي سبب، ناصحاً كل شخص له تعامل مع شخصية متسلطة أن يكون هادئاً، والصبر عليه واحتساب الأجر عند الله تعالى؛ لأن التصادم مع مثل هذه الشخصيات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة ونتائج سلبية سواء في العمل أو المنزل، كذلك يجب أن يكون التعامل مع الأفعال المتسلطة بطريقة إيجابية والخروج بأقل الخسائر من هذه العلاقة، ولا يمنع أن يكون أحد الحلول هو تجاهل المتسلط بمعنى عدم التدقيق في سلوكه؛ لأنه فعلياً يعاني من هذا التسلط، مع محاولة إقناعه بمراجعة طبيب متخصص لعلاجه.

وأشار إلى أن الشخص المتسلط إذا أراد علاج نفسه يستطيع، وذلك من خلال العلاجات النفسية وهو العلاج المعرفي السلوكي، لتتحول الرغبة المتسلطة لديه إلى أفكار إيجابية، ويتغير تبعاً لذلك سلوكه إلى مرن ويتقبل آراء الآخرين.

كبت الحزن

وقال عبدالرحمن الذبياني - مدرب ومحاضر ومؤسس مشروع مجلة تطوير الذات -: إن المدير المتسلط - المتنمر - هو شخص ذو نزعة تسلطية يظن أن سير العمل سوف يسوء وقد يتوقف تماماً، ومن أجل ذلك تجده يستغلها أسوأ استغلال بحكم القوة المسيطرة التي يستطيع معها التحكم بالموظفين، فيعتقد أن من مهامه الوظيفية الاضطلاع وحده بإصدار واتخاذ القرارات وتوجيه الموظفين لتنفيذها، فيأمر وينهى ويعاقب ويصرخ ويصيح، فيتحول إلى «ديكتاتور» متوحش يرهب موظفيه ويجعلهم يعملون تحت سلطة الخوف والعقاب، مضيفاً أن سلبيات هذا النوع من المديرين على الموظف الذي يكون ضحية هذا التسلط  أنه يعجز في الغالب عن التذمر أو فضح أمر المتنمر خشية فقدان وظيفته، فيكبت الحزن والمشاعر السلبية في نفسه، مما يفضي إلى عواقب وخيمة على الصعيدين الجسدي والنفسي، ويثبط العزيمة ويقضي على الحماسة وعلى الإبداع والابتكار، ومن سلبيات هذا النوع من المديرين على المنشأة أنه يقلل الإنتاجية وجودة العمل والأداء، كما يجعل بيئة العمل بيئة متوترة غير صالحة للتعاون والعمل الجماعي، مبيناً أن من أفضل الطرق للتعامل مع المدير المتسلط التحلي بالاستعداد النفسي بأن يكون الموظف مستعداً لتقبل مضايقاته، وأن لا يعطيه الفرصة بأن يستفزه ومن ثم يفقده أعصابه، مع الاعتقاد الجازم بأنه ليس وحده الذي يعاني من هذا المدير.

وأشار إلى أن الأداء الجيد مطلوب من الموظف بأن يؤدي مهامه الوظيفية على أكمل وجه وألاّ يعطيه الفرصة لنقده أو لومه أو اتهامه بالتقصير، كما يجب عليه التقيد بالتوجيهات وعدم الاجتهاد والتصرف المخالف للأنظمة والتعليمات الوظيفية، وكحل آخر إن استطاع النقل لإدارة أخرى فليبادر، أو أن يتحلى بالصبر، فالمدير المتسلط كبقية المديرين السابقين له يوم ويرحل أو ينقل أو يتقاعد.

لا يمكن أن يعمل الموظف بشكل صحيح ومديره متسلط
د. سالم القحطاني
د. محمد القحطاني
عبدالرحمن الذبياني


from جريدة الرياض >https://ift.tt/2Nb5XL4
via IFTTT

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هاشم النعمي.. المؤرخ والقاضي والأديب

"هيئة الإحصاء": ارتفاع الصادراتِ السلعيَّة للمملكة خلال شهر فبراير 2022م بنسبة 64.7%